توجيهات ودروس علميـة ّّّّّّّّّّّّّّّّ لعل من أهم الجوانب إثارة فى الدراسـات الحديثة للإبداع تلك التي تتعلق بظهور الإبداع وتكوين المبدع. وتوحـي متابعة الآراء المختلفة عبر تطور التفكير البشرى في تناول هـذا الموضوع بأنه يمكن التمـييز بين رأيين. أحدهما يرى أن الإبداع عمل لا شأن للمجتمع وللمبـدع به فهو يتم بفعل عوامل وراثيـة طبيعيـة. أما الرأي الآخر، فيرتبط بتطور النظريات الحديثة في علم النفس كنظريـة التعلم. ومجمل هذا الرأي الأخير أن الإبداع شكل من أشكال السلوك التي يمكن تعلمها واكتشـافها. على أن الرأي الأقرب للصحة الآن هو أن الإبـداع سـواء كان موروثاً أو مكتسـباً يمكن تدريبـه وتنشتيطه وبأسـاليب مختلفة، وبإرادة الشخص المبدع نفسـه، أو بتأثير الظروف الاجتماعية التي يحياها. وفيما يلي بعض التوجيهات القائمة على البحث العلمي التي من شأنها تدريب قدراتنا الإبداعية وزيادة نموها :
1 - الإبـداع لا ينمو في ظروف مثبطـة. لهذا فعند أي بادرة لظهور فكرة تعتقـد أنها جيـدة حـاول أن تؤجـل نقـدك لها وحكمـك عليها، دعهـا تختمـر وتنمـو، ودع الفكـرة تنمـو بتلقائيـة ودون تصـنع.
2 - في المراحل الأولى من ظهور الفكرة الإبداعية من المطلوب أن تتجنب مناقشتها مع الأشخاص الذين يكثرون من النقد أو التقـييم، إلا بعد أن تتبلور الفكرة وتقوى. وإذا كان لابد من ذلك فناقشـها مع أصـدقاء أو زملاء لا يكثرون من النقد ويتقبلون الأخطاء الأولى، ويشجعون على تنمية الفكرة لا إجهاضها. ولا تنس أن الفكرة الإبداعية الأولـى وليـدة ضـعيفة بمعـنى الكلمـة ففيها كل ما في الوليـد الصـغير من ضعـف وحاجـة للرعايـة والتنميــة.
3 - كن استغلاليا وصـياداً للفرص الملائمـة للإبـداع فكثير من الابتكارات الجيـدة تبدأ بالصدفة عندما يكون الشخص مشـغولاً بشيء آخر. والمفكر الجيد والأديب والفنان والعالم وأي شخص يبحث عن حلول جـديدة لمشـكلات تقلقـه، هو من يستغل الصدف المواتيـة. ولكن الصدفة غير الحظ فالحـظ قوة غيبيـة تؤثر بطريقة غامضـة على مجريات الأمور. أما الصدفـة فهي أمور عارضـة تحـدث أثناء الانشغال بالبحث والتفكير في موضوع معـين.
4 - استخدم تدريبات مباشـرة لزيادة إمكانيات على الإبداع والتجـديد والأصـالة. من ذلك مثلاً أن تجمع قائمـة من الكلمات العاديـة مثل : مسـاء، صيف، سـلام .... الخ، أو أن تكتب كل التداعيات أو الكلمات التي تطرأ على ذهنك بالنسبة لكل كلمـة. وشجع نفسـك على ذكر أكبر قدر ممكن من التداعيات. فقد تبين ان تشجيع التفكير على إصـدار استجابات متنوعة ومتعـددة على منبه لفظـي واحد من شأنه أن يسـاعد الشخص على تنمية قدراتـه على الأصالة،أي على الوصول بمستوى تفكيره إلى مستوى جيد ومتفرد عن الآخرين. عمم هذا الأسـلوب على نشاطات مختلفة غير الكلمات فبدلاً من أن تجمع قائمة بالكلمات العاديـة، أجمـع قائمة بالمشـكلات التي تواجهـك في هذه الأيام. وضع حلولاً متنوعة ومختلفة لها. لاتهتـم بما إذا كانت هذه الحـلول عمليـة أو غير عمليـة، على الأقـل في بدايات التدريب.
5. ومن التدريبات المباشرة أيضاً أن تتعمد الربط والتأليف بين أشـياء متعارضـة وتبدو متنافـرة. فستدهش بعد ذلك عندما تجد أن مهارتك قد زادت على وضع حلول جديدة للأشياء أو المشكلات التي يراها الآخرون متعارضة ويصعب حلها.
6 - عندما يتعذر عليك الوصول لحل ما لمشكلة تواجهـك، استخدم ما يسمى بظاهرة التحول الفكري المتعمـد (*). ومجمل هذه الظاهرة أن تتوقف عن التفكير في المشكلة، وأن تنشغل بأي عمل أو نشاط مختلف أو أن تستلقي للاسترخاء والراحة. ففي الغالب أن الحل سيقفز إلى الذهن. ومعنى هذا أن مجاهدة النفس في الوصول لحل مشكلة متعذرة قد يكف أحياناً ولا يســاعد على التوصل للحل الصـحيح. ومن خلال التحـول الفكري يتبـدد هذا الكف وتتيسـر العملية الإبداعيـة.
7 - التنفيذ العلمي للفكرة وهنا يأتي دور الإرادة في التنفيذ والكتابة بكل ما يتطلبه ذلك من مجاهدة فى النفس على النظام واليقظـة. ومن المؤكد أن كثيراً من الناس يحملون إمكانيات إبداعيـة لاشك فيها ولكن من المؤسف إنه يحلو لهم الاعتقاد أن الأهم هو وجود الشرارة الأولى للإبداع والإلهـام. أما النظام وتعلـم أسـاليب التنفيذ العملي فقد تبدو لهم غير ملائمـة. لكن الحقيقــة أن عـدم التنفيـذ العملـي للفكـرة قد يؤدى إلى ركـود وخمـول في النشاط العقلي.
8- الإبداع الجيد لا يستقل عن الإمكانيات العقليـة الأخرى. فقد تكون الفكـرة جيـدة وجديدة ولكـنك لا تسـتطيع أن تعرضها أو أن تكتبها، أو أن تجمع لها الوثائق والشـواهـد الدالـة على صحتها. وعند هذا الحد لن يكون لها التأثير الذي ترجـوه. ولهذا فأنت تحتاج لأشياء أخـرى بجانب الأصـالة والابتكار، كالقراءات المتعـددة في الموضوع، والتمرس على التفكير التحليلي والتحصيل، إذ من غير الممكن للإنسان أن يبـدع دون أن تكون هناك مادة خام تعده أسـاسـاً لذلك.
9 - ضرورة تكوين اتجاه إبداعي نحو الحياة. ونقصد بالاتجاه الإبداعي هنا مجموعة الآراء والمعتقدات التي يتبناها الشخص عن الحياة بشكل عام، دون أن ينتهي الشخص بالضرورة إلى القيام بإنتاج إبداعي أو ابتكاري محـدد. ويتطلب الاتجاه الإبداعي تقبل الذات والتسامح مع الاختلافات عن الآخرين. والتفتح على الخبرة، والنزعة الجماليـة والفنية والتوازن بين الحاجـة لتحقيق الذات والحاجـة للتواصل بالآخـرين.
10 - لا تعتقد أن الخـروج عن التفكير المألوف والشـائع علامة على الشـذوذ والمرض. فكثير من الناس ينظـرون إلى أي اختلاف عن المألوف بأنه علامة على " التعقيد " والاضطراب، وعدم التكامل. ولما كان التفكير الإبداعي في أسـاسـه خروجاً عن المألـوف فإن كثيراً من المبدعـين يحتاجون لمن يدعـم لديهـم الإحسـاس بأن أفكارهم ونشاطاتهم الذهنية تختلف عن المرض العقلي أو النفسي. ومن هنا يجيء دور وجود صـديق أو سـند يسـاعدك على التعبير عن مشاعرك ومشكلاتك.
11 - تعلم بعض الطرق لمواجهـة الصعوبات والفشل. فمن المعروف أن المبدعين يواجهون من الآخرين بعض الاستنكار وعدم التقبل. وقد تتلون حياتهم نتيجة لهذا بمشاعر القلق أو الخوف والإحساس بالعزلة. ولكن القلق والخوف والعزلـة لا تكون ملائمـة لما يتطلبه التفكير المنطلق والإبداع. ولهذا فمن المطلوب أن يعي الشخص هذا، وأن يتعلم بعض الوسائل لمواجهـة مخاوفه وقلقـه، وإحسـاسـه بالعزلـة. ويتطلب العمل الإبداعي، لهذا، شخصية قادرة على الثقة بالنفس، وقادرة على تقبل الألـم، وتحمل الكدر الذي تتضمنـه عملية الاستمرار في تحقيق الأهـداف والمقاصد الإبداعيـة.
12 - تجنب الخلط بين الرغبـة في التمـييز الفكري، والتمـييز في السلوك الاجتماعي. فالشخص المبدع الذي يختلف في أفكاره عن الآخرين، لا يختلف بالضرورة في تصرفاتـه وعلاقاته ولا يؤكد اختلافه من أجل الاختلاف ذاته وحباً فيـه. بل على العكس تبين البحوث أن انشـغال الشخص بتأكيد اختلافـه الاجتماعي عن الآخرين سـيشـغله عن تنمية مهاراته الضرورية للإبداعيـة بسبب تورطـه فى الصراع مع الآخرين.
موضوع: تنمية الإبداع و الموهبة وهل بالإمكان أن تكون مبدعاً؟ 
الخميس فبراير 28, 2008 2:43 pm
